انتظارات كثيرة تطبع علاقة فعاليات مدنية عديدة بمضامين القانون الجنائي المرتقب، فأمام التصريحات الجديدة لوزير العدل، عبد اللطيف وهبي، بشأن بعض تمثلات “الاختيارات الفردية”، تراهن حساسيات حقوقية على توسيع هوامش “الكونية” ضمن المقتضيات القانونية.
وأعادت تصريحات وهبي بشأن الحريات الفردية وضرورة عدم التدخل في الحياة الحميمية للمغاربة، فضلا عن العقوبات التي تطال تناول المشروبات الروحية، آمال تحسين مقتضيات القانون الجنائي المرتقب.
وقال وهبي أثناء حضوره لقاء مع مؤسسة الفقيه التطواني إن الجمود الذي طبع هذه المواضيع سينتهي بحكم أن الحكومة تغيرت، معتبرا أن الأغلبية السابقة هي التي أبقت على هذه المضامين.
الأفعال أبلغ من الأقوال
أحمد عصيد، الفاعل المدني، اعتبر أن ما عبر عنه وزير العدل مؤخرا حول الحريات الفردية “مؤشر إيجابي إذا ما قارناه بالجمود الكبير الذي شاب موضوع القانون الجنائي خلال سنوات حكم الحزب الإخواني”، على حد وصفه.
لكن عصيد يرى أن “هذه ليست المرة الأولى التي عبر فيها وزير عدل عن هذه المواقف الإيجابية تجاه الحريات”، مردفا: “وزير العدل الأسبق محمد أوجار أيضا كان له الموقف نفسه، غير أننا لم نر أي أثر لذلك في النصوص القانونية، خاصة أن عدم الانسجام الذي شاب الحكومتين السابقتين حال دون تحقيق أي تقدم في مراجعة القانون الجنائي”.
وأضاف الحقوقي ذاته أن “الحزب الأغلبي السابق يحاول التعمية على موضوع الحريات بالتركيز فقط على مادة ‘الإثراء غير المشروع’، بينما المقاربة الديمقراطية تقتضي مراجعة شاملة لنص القانون ككل، لملاءمته مع الدستور الحالي ومع التزامات الدولة المغربية اليوم وتحولات المجتمع”.
واعتبر المتحدث أن “تصريح وهبي مهم إذا ما أفضى إلى مراجعة فعلية لمواد قانونية تعود إلى سنة 1962، خاصة أن الحكومة الحالية تتمتع بانسجام نسبي لم يوجد في حكومات سابقة (إلا إذا أراد حزب الاستقلال أن يضع قبعة المحافظة كما فعل في مراحل سابقة)”.
وأكد عصيد أنه “منذ تنصيب الحكومة الحالية لوحظ وجود رغبة في محو آثار الولايتين السابقتين في عرقلة إقرار الحريات، وتجلى ذلك منذ البداية في سحب مشروع القانون الجنائي السابق الذي كان عيبه الكبير أنه استثنى كليا موضوع الحريات من كل تعديل، وهو ما كان يفخر به الوزير الرميد، سواء بصفته وزيرا للعدل أو وزيرا لحقوق الإنسان، ويرفضه كليا المنتظم الحقوقي الوطني”.
وتمنى المتحدث، في تصريح لهسبريس، ألا يكون ما عبر عنه وهبي “داخلا في إطار المزايدة على رئيس ‘البيجيدي’ الحالي، الذي – بمزاجه المتقلب – كشر عن أنيابه ضد حلفائه السابقين”، وأن “تكون إرادة المراجعة الشاملة للقانون الجنائي اختيارا إستراتيجيا للحكومة ككل”.
فتح نقاش موسع
عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، قال إن ملف الحريات الفردية “ملف شائك ومعقد، تتنازعه خلفيات متعددة، منها ما هو حقوقي ومنها ما هو قيمي؛ ناهيك عن أعراف وتقاليد وتاريخ ومعتقدات الأمم”.
وأردف الخضري بأن “هذا الأمر لا ينحصر في المغرب لوحده، بل في جل المجتمعات في العالم، ولا ينبغي الزج به في مزايدات سياسوية أو إيديولوجية”، وزاد: “إذا كان حريا بالمشرع ضرورة إعادة النظر في بعض مقتضيات القانون المجرم لبعض الحريات الفردية، نظرا للعديد من المستجدات الثقافية والحياتية عموما، فمن الضرورة إشراك مختلف الفرقاء في ورش المناقشات التي تسبق مثل هكذا تعديلات، حتى تكون مقبولة مجتمعيا”.
وأضاف الحقوقي ذاته أن “الموضوع ليس بهذه البساطة التي يحاول تصويرها وزير العدل، فالحركة الحقوقية المغربية مازالت تناضل من أجل تجويد الترسانة القانونية، لتغيير بعض مظاهر الانزلاقات التي تؤدي إلى المس بحقوق المواطنين وحرياتهم”.
واعتبر المصرح لهسبريس أن “تهمة السكر العلني قابلة للمراجعة إلى حد ما، لكن من الضروري التذكير بضرورة مراعاة حقوق باقي المواطنين في حالة تورط شخص في السياقة وهو في حالة سكر، أو في السب والقذف أمام الملأ وهو في حالة سكر، أو ممارسة سلوك ما خارج نطاق وعيه، قد يشكل مسا بحقوق الآخرين”.
من جهة أخرى، يعتقد الخضري أن “الإدانة بسبب علاقة رضائية بين طرفين بالغين تحتاج إلى إعادة النظر، فالمشرع مطالب بمراجعة بعض حيثيات الإدانة، إلا أنه من الواجب مراعاة آثار تلك العلاقات على سلامة المجتمع المغربي؛ فالعلاقة الرضائية التي تنطوي على الخيانة الزوجية إذا لم يراع فيها المشرع المغربي حق الطرف الآخر الذي تربطه(ا) بأحدهما علاقة زوجية، فإن تبرئة ذاك الطرف تنطوي على هدر لحقوقه، ما قد يترتب عنه نزوح نحو ممارسة الثأر والانتقام الشخصي”، وفق تعبيره.