نقاش علمي حول الأدوار المجتمعية لعلوم الأعصاب، خاصة في مجال التعليم والتربية وفهم القرارات الإنسانية، شهده، الجمعة، مقر أكاديمية المملكة المغربية بالعاصمة الرباط.
واستقبلت الأكاديمية محاضرة الدكتورة في علوم الأعصاب شيرين فهيم فهمي، التي شغلت منصب باحثة مشاركة في جامعة كولومبيا والمعهد الطبي النفسي بجامعة نيويورك، في إطار الاستمرار في الاحتفال بمئوية الحضور الدبلوماسي السويسري بالمغرب، بشراكة مع أكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات وسفارة سويسرا بالرباط.
وعددت فهمي أدوار الأبحاث في العلوم العصبية (Neurosciences) في فهم الإنسان، وتأثيراتها في مجالات من بينها التعليم.
وتابعت قائلة: “عسر القراءة مثلا يمكن رصده عند الولادة، ويمكن أن نفحص عدم وجود مكانه بالدماغ، لنستنتج أن أطفالا غير مُعَدين للقراءة”. لكن هذه الفئة “يمكن أن تقرأ بسرعة المفاتيح الموسيقية، أي أنهم معدون لشيء مختلف، وهكذا نجري استباقا، وليس علاجا، بإعدادهم لتعلم الموسيقى”.
وقربت الباحثة جمهور المحاضرة من طرق عمل الدماغ، وبعد شرح تعاون وتكامل مناطقه المختلفة، خلصت إلى أن “عقلنا نسخة عن الطبيعة والطبيعة نسخة عنا، والتعاون داخل المجتمع الطبيعي (بين الكائنات والنباتات وغيرها) يحدث داخل الدماغ أيضا”.
وانتقلت فهمي إلى دور علوم الدماغ في فهم الإنسان؛ فـ”منذ طفولتنا، وحتى في الحمل، يكون للتجارب، مع محيطنا، تأثير على دماغنا (…) ويتطور الأطفال بالعلاقات والتجارب مع عائلتهم ومحيطهم، ومع البالغين بجانبهم، وهي تجارب تحكم انتظام الخلايا العصبية، وهل هذه تجارب تؤدي إلى الأفضل أم إلى الأسوأ”.
ورغم تحديد هذه التجارب الخاصة أمورا، من بينها “الصحة الذهنية” للإنسان، فإن المتخصصة في علوم الأعصاب تؤكد أن الإنسان ولو كان محكوما سابقا بهذه التجارب، إلا أنه ليس أبدا رهينا لها بالكامل.
ومع تفسيرها أن المادة البيضاء في دماغ الإنسان تبنى بالتجارب والذاكرة، فسرت الباحثة أهمية “قول لا” أو “الشغب” أو “البحث عن المخاطر” عند المراهق؛ نظرا لحاجة دماغه إلى “تجارب إضافية لتنمية المادة البيضاء”.
وعادت المتحدثة إلى مرحلة الطفولة، حيث ذكرت أنه من المهم خلالها أن “يتعلم الطفل في سن مبكرة التحكم في جسده” برياضات وتمارين تعلمه “تدبير جسده وأن يكون في اتصال معه”. كما أبرزت، من وجهة نظر تطور الدماغ البشري، أهمية تعلم الطفل الحكايات، لأنها تطوّر اللغة الداخلية لديه، التي تنتقل إلى لغة متحدثة؛ و”كلما كان هذا أكثر، كلما كان الإعداد أفضل لمرحلة المراهقة”.
وفي زمن السرعة والتوتر، سمت الباحثة “التوتر” بـ”العدو” لأنه يؤدي إلى ارتفاع إفراز هرمون الكورتيزول؛ “ورغم أن هذا الكورتيزول ليس عدوا، لكن في اللحظات الصعبة، يرى الدماغ التوتر مثل ماموثٍ سيأكلنا، فيزيد تدفقه، لكن بما أن الحياة الإنسانية تطورت، لا ننصاع لهذا الإفراز بردود فعل مثل التي كانت في البرية، نظرا لاعتيادنا التوتر؛ فيستمر التدفق إلى أن يتحول هذا المضاد الحيوي إلى “مساعد على الالتهاب” يتحول إلى أعراض صداع وأمراض”.
وفسرت المتخصصة سيرورة أخذ القرار بـ”التواصل بين مختلف مناطق الدماغ، بناء على تجاربنا”؛ فللإنسان “ذاكرات لا ذاكرة؛ في كل قرار نستند عليها، وأخذ القرار يستند على أحاسيس (…) وتأثير المشاعر على الدماغ ضخم”، وهو أمر يمكن أن يكون إيجابيا في حالة “الحدس”، أي أن “تعرف شيئا ولو أنك لا تعرف كيف تعرفه”، لكن يمكن ضبط القرار بتعلم التواصل مع الذات.
وواصلت المتدخلة: “القدرة على التفكير في أفكارنا مهمة لصحتنا العقلية (…) والفن يرتقي بنا، ويمس كل ما هو إنساني فينا (…) ولكل موسيقاه التي تساهم في إفراز الدوبامين بالدماغ، وهو ما يساعد عليه الغناء أيضا”. كما أبرزت الأدوار الإيجابية لإسعاد الذات والآخرين من وجهة نظر خلايا الدماغ.
ولا تقتصر تقنيات التحكم في الأعصاب على الجانب الإيجابي، حيث يمكن، بل سيتم، استعمالها بشكل سلبي للتحكم في الإنسان، وفق المتخصصة في علوم الأعصاب، التي رغم ذلك تمسكت بأن “الإنسان يولد بطبيعة جيدة”.