مع اقتراب عيد الأضحى كل عام، تكثر على مواقع التواصل الاجتماعي دعوات إلى المساهمة والتبرع لمساعدة الأسر المعوزة على اقتناء الأضحية، خاصة هذا العام حيث تشهد أسعار الأضاحي ارتفاعا في ظل موسم فلاحي صعب أرخى بثقل أزماته على كاهل المواطنين كما الفلاحين و”الكسّابة”.
وفي وقت اعترف فيه عدد من مربي الماشية وبائعيها بحقيقة وواقع ارتفاع “أسعار الأضاحي بكل أنواعها لهذه السنة”، مرجعين سبب ذلك، حسب ما استقته هسبريس في موضوع سابق، إلى “غلاء ثمن العلف، فضلا عن تكلفة النقل”، توالت دعوات ناشطين مدنيين وجمعيات، اتخذ بعضها شكل “حملات منظمة” خلال الأسبوع الأخير الذي يسبق “يوم النحر”، إلى التضامن مع المعوزين والفقراء والأشخاص في وضعية هشة اجتماعيا قصد مساعدتهم لاقتناء الأضاحي وإدخال البهجة والسرور على عائلاتهم.
“تقلص الفعل الإحساني”
عبد العالي الرامي، رئيس الرابطة الوطنية للتنمية الاجتماعية فاعل جمعوي بمدينة الرباط، قال إن “أول ما يلاحظ هو تقلص هامش العمل الاجتماعي المواكب لمناسبة عيد الأضحى هذه السنة بالمغرب، عبر مبادرات ضئيلة تتسم بضعف الفاعل الجمعوي في ارتباطه بالمحسنين أو المتبرعين”، مفسرا الأمر، من جهة، بأن “فئات عديدة من المحسنين الذين ألفوا المساهمة قد تضرروا من تداعيات الأزمة الوبائية في ظل عام جاف وارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين كما بعض مقاولات القطاع الخاص التي اعتادت مساعدة مستخدميها”، ومن جهة أخرى، بتراجع “الثقة في هذه المبادرات الإحسانية التي لم تعد علنية وكثيفة كما كانت في السابق لأهداف نبيلة وتضامنية محضة”.
ولفت الفاعل المدني ذاته، ضمن تصريح لهسبريس، إلى أن النقاش العمومي الحالي الذي رافق مصادقة لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة بمجلس النواب على مشروع القانون 18.18 المتعلق بتنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية، “كان له أثر أيضا”، منوها بمضامينه التي جاءت “حماية للعمل الاجتماعي ومصداقيته، فضلا عن ضبط الموارد المالية لغايات أمنية”، معتبرا أن التضامن قيمة لا تخفى عن معدن المغاربة.
وخلص الناشط الجمعوي ذاته إلى ضرورة أن يتم “شرح المقتضيات القانونية المستجدة بخصوص جمع مساهمات الإحسان إلى عموم المواطنين”، مشيرا إلى أن القانون 18-18 “يظل في صالحهم، حماية لهم من المتاجرة بمعاناة فئات هشة منهم”، منوها بإدراج القانون المذكور مساهمات التضامن في عيد الأضحى في خانة تقاليد وعادات الشعب المغربي.
“لم نصل بعد إلى التضامن المؤسساتي”
من جانبه، أشاد أستاذ علم النفس الاجتماعي محسن بنزاكور بمضامين القانون الذي اعتبره “مؤطرا للفعل الإحساني والتضامني، وحاميا للمواطن من إمكانية استغلال أمواله في الإرهاب أو تبييضها”، موضحا أن الطبيعة البشرية تقتضي أن يكون في مقابل مَن ينشدون تعزيز التآزر والتعاون، فئات أخرى، ولو بنسبة ضعيفة، تستغله في غايات لا علاقة لها بمفهوم التضامن ولا قيمته.
ورفض الخبير الاجتماعي، في تصريح لهسبريس، التعليل الذي يدفع بكون “القانون هو السبب في تقلص الفعل الإحساني بالمغرب مؤخرا، بل سلوكات بعض الأفراد المنفّرة”، موردا أنه “لا بد أن ندرك أن تراجع منسوب التضامن هذا العام يعود في جزء كبير منه إلى الظرفية الاقتصادية للبلد ومواطنيه، بعد عامين من الجائحة التي أثرت على الطبقات الاجتماعية المتوسطة والكادحة المعنية مباشرة بشراء الأضاحي كطقس اجتماعي واعتقاد ديني”، لافتا إلى أن تلك الفئات والطبقات، المغرقة في الديون، “لم تعد هي نفسها قادرة في بعض الأحيان على توفير ثمن الأضحية، ما يجعل التضامن بعيدا عن تفكيرها زمن الأزمات”.
وسجل بنزاكور، في معرض حديثه، “حفاظ المغاربة على قيم التضامن والتعاون فيما بينهم رغم أزمات تاريخية شديدة مروا بها”، واصفا التضامن بأنه “متجذر قيميا وصل حد الاعتقاد الفكري الأخلاقي لدى البعض”، قبل أن يخلص إلى أنه “رغم جهود الفاعل الرسمي عبر مؤسسة محمد الخامس للتضامن ومحاولات المجتمع المدني، فإننا في المغرب لم نصل بعد إلى تحقيق التضامن المؤسساتي المنشود”، مبرزا أن قيمته قد تراجعت عموما نظرا لـ”تغيّر مورفولوجية المدينة والنسيج الحضري بالمغرب، فضلا عن التسيّب الحاصل في جمع المساهمات والتبرعات المنشورة على مواقع التواصل وشبكة الإنترنت”.