بلغة قوية، هاجمت ثمان نقابات فنية مصادقةَ البرلمان على مشروع قانونِ مكتب حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، معتبرة هذا القانون بصيغته المعتمدة “غير دستوري”، لتجاهله “التعديلات” الداعية إلى “الاستقلالية”؛ كما اتهمه بـ”استصغار الفن والثقافة” بحصر القرارات الخاصة بالمجال في “يد الوزارة الوصية”، أي وزارة الشباب والثقافة والتواصل.
يأتي هذا بعد مصادقة مجلسَي النواب والمستشارين على “مشروع القانون رقم 25.19 المتعلق بالمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة”. وحضرت في البيان المشترك كل من النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية، والنقابة الفنية للحقوق المجاورة، والمرصد الوطني لمبدعي الأغنية المغربية وحماية حقوق المؤلفين، والمؤسسة المغربية لدعم وحماية الفنان، والنقابة المهنية لحماية ودعم الفنان، والنقابة الفنية للمنتجين والمنتجين الذاتيين، ونقابة المؤلفين والملحنين المستقلين المغاربة، ونقابة المسرحيين المغاربة وشغيلة السينما والتلفزيون.
وحذرت النقابات الفنية من “الآثار السلبية للقانون”؛ الكامنة في تكريسه لوضع أسوأ مما كان عليه الأمر سابقا، باعتبار كل الاختلالات السابقة كانت نتيجة استحواذ الوزارة الوصية على المجال، وخضوعها للضغط السياسي من قبل أصحاب المصالح، سواء من فئات معينة من ذوي الحقوق أو من قبل بعض المستغلين، وهو الأمر الذي كان من الممكن تفاديه باضطلاع الوزارة ومعها مؤسسات أخرى للدولة بمهمة الإشراف والرقابة والحكامة والتدبير بموجب القانون، تفاديا للوقوع في وضعية عبثية تكون فيها الوزارة الوصية طرفا وحكما في مجال معروف بتنازع المصالح”.
كما اعتبر البيان المشترك أن حديث مشروع القانون المصادق عليه عن “تأسيس جمعية مهنية واحدة لكل صنف من ذوي الحقوق خارج المكتب، يضطلع رؤساؤها بعضوية المجلس الإداري بعد منحها اعتمادا”، لا يستند على “سند دستوري، في غياب أي مساطر أو مقتضيات انتقالية أو لجان إشراف”، وهو ما وصفته بـ”الأمر غير الواقعي” الذي “يعني ضمنيا استحواذ الوزارة الكلي على المجلس الإداري، ما لم تقم هي نفسها بتأسيس هذه ‘الجمعيات المهنية’ على مقاسها”.
وفي تصريح لـ هسبريس قال النقابي مسعود بوحسين إن مشروع القانون “لا ينسجم مع الفصل 26 من الدستور الذي يتحدث عن مجالات، من بينها المجال الفني، ينبغي أن تنظم بكيفية مستقلة على أسس ديمقراطية ومهنية مضبوطة”.
وينص الفصل 26 من دستور 2011 على أن السلطات العمومية تدعم “بالوسائل الملائمة تنمية الإبداع الثقافي والفني، والبحث العلمي والتقني والنهوض بالرياضة، كما تسعى إلى تطوير تلك المجالات وتنظيمها، بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية ومهنية مضبوطة”.
وأضاف رئيس “النقابة المغربية لمهنيّي الفنون الدرامية” أن للمجال الفني “خصوصيته” التي “يجب أن يتعامل المشرع معها، لا أن يطبق أي نموذج ‘كليشيه’ لمؤسسة من المؤسسات، لأن في هذا خطرا كبيرا، يحرف طبيعة الظاهرة المشرَّع لها، دون قدرة على تَمثُّل المشاكل الحقيقية التي ينبغي أن يؤطرها القانون”.
وتابع المتحدث ذاته شارحا: “لا نتحدث نظريا عن هذا الإشكال، بل نعرف أثر القانون في الممارسة، وعند التطبيق سيظهر هذا. القانون المصادق عليه نتيجة ضعف في الخبرة، ولا نقول هذا من فراغ، علما أن الغطاء الدستوري يبيح للمشّرع الاجتهاد لإخراج قانون ملائم مع الظاهرة التي يشرّع لها؛ فمن بين صعوبات الممارسة مشكل تضارب المصالح، والوزير الوصي على القطاع يتهمنا بالدفاع على مصلحة ما، بكل شعبوية، كما يتحدث عن وجود تعددية مفرطة، ورغبة النقابات في الاستحواذ على المكتب”.
وسجل بوحسين ما يعرفه “مجال حقوق المؤلف من تعارض مصالح جوهري”، ثم استدرك قائلا إن هذا التضارب “ينظمه القانون بالوسائل القانونية والمؤسساتية الملائمة”، ثم استرسل: “طرفا المصلحة ليسا الفنانين فقط، بل الفنانون من جهة والمستغلون من جهة، أي الإذاعات وأرباب المقاهي والمطاعم وكل من يستعمل الفنون والمصنفات الفنية في التداول العمومي. وعندما يقول الوزير إن هذا القانون يريد الشفافية في التوزيعات فهو يربط الأمر بالشفافية فقط، بينما المشكل ليس مشكل شفافية فقط، بل مشكل تقنين شروط التداول الثقافي الذي فيه أطراف، ولا يمكن أن تكون الدولة فيها طرفا وحكما في الوقت نفسه”.
وزاد النقابي ذاته: “إذا كانت الدولة تقرر عبر وزارة الثقافة بتعيينات الوزير في المجلس الإداري، فإما ستميل لذوي الحقوق أو ستميل للمستغلين، وتبقى خاضعة للضغط السياسي من طرف أصحاب المصلحة، لهذا ينبغي ترك ذوي الشأن لتسيير أمورهم وتبقى الرقابة والتحكيم والإشراف للدولة”.
كما شدد بوحسين على أن مطالب النقابات الفنية هي “التمييز بين الجهازين داخل المؤسسة الواحدة؛ لأنه في حالة التقاضي سنجد أن القرار يتخذه المجلس الإداري، وهو مجلس لديه أغلبية الدولة (…) ويبقى خاضعا للضغط السياسي. ورفع الحرج يكون عبر الاستقلال، مع بقاء دور الوساطة والتحكيم والإشراف وإعمال القانون للدولة، دون أن تكون طرفا في اتخاذ القرار”.
في غياب مثل هذا التنظيم، يرى بوحسين، أن الأمر سيكون “عودة للصيغة القديمة، التي يقال إن أناسا كانوا يستفيدون فيها بشكل غير مستحق ليس بمد اليد للصندوق مباشرة، بل عبر الضغط، والخضوع لإرادة أشخاص، وهذا سيؤثر؛ فالإشكال ليس إشكال شفافية، بل إشكال رفع استخلاصات، وهنا توجد اللوبيات الحقيقية، ونتمنى أن يستطيع الوزير التصدي لها”.